بايدن والحوثيون... حديث "طرشان"
- Badr Alqahtani
- Mar 4, 2021
- 3 min read
منذ فوز جو بايدن بالانتخابات الأميركية، التزم الرئيس الأميركي الـ46 بسياسية "اللا مفاجئات". كانت هذه السياسية من أبرز مقومات خطاب سياسته الخارجية، وردد وزير خارجيته أنتوني بلينكن تلك اللفظة تحديدا أكثر من مرة.

عند البدء في تنفيذ إجراءات تتعلق باليمن كأبرز ملف خارجي للإدارة الجديدة، برزت "اللا مفاجئات" فعلا، فالرئيس أعلن مسبقا تراجعه عن تصنيف الحوثيين، وعن دعم العمليات العسكرية (ذات الطبيعة اللوجستية في الأساس) ودفع في المقابل بالدبلوماسية، وسمى تيم ليندركينغ الدبلوماسي المخضرم مبعوثا خاصا لليمن.
المشكلة أن "اللا مفاجئات" الأميركية قابلها الحوثيون بجملة مفاجئات. صار المشهد يشبه "حديث الطرشان"لا يستطيع فيه طرف سماع الآخر، أو على الأقل لا يريد أن يستمع.
الإقدام الدبلوماسي الأميركي فهمه الحوثيون خطأً. لا أستطيع لوم الحوثيين، فعلاقاتهم الدولية محدودة مثل خبرتهم في العملية السياسية أو إدارة الدولة أو صنع السلام أو الالتزام به. لهذا يحفل تاريخ الجماعة بالتخريب والحرب والتدمير والسرقة والتلغيم وتجنيد الأطفال والاعتماد على كل ما يخرب الحياة، منذ العام 2004 وحتى اليوم.
الجهد الدبلوماسي الأميركي اصطدم بتصعيد حوثي داخلي يمني وخارجي. الأول في مأرب والجوف، والثاني هجمات الميليشيات التي تتحكم إيران بقرارها على السعودية بصواريخ باليستية وبمسيرات مفخخة.

الدفاعات السعودية استطاعت على مدى أعوام أن تحمي المملكة ومدنها من نحو 900 هجوم حوثي بالمسيرات والمفخخات الطائرة. وهي مسألة خارج إطار الحرب أصلا لأن الأزمة يمنية ـ يمنية بامتياز ودور السعودية فيها يتمثل في قيادة تحالف عسكري يدعم الحكومة اليمنية للعودة. وتلخص تصريحات السياسيين السعوديين أن العمليات العسكرية هدفها الضغط العسكري على الحوثيين للجلوس إلى طاولة الحوار.
أتذكر أن المبعوث الأميركي نفسه تيم ليندركينغ قال ذلك أيضا عندما كان نائبا لمساعد وزير الخارجية في حديث أجريته معه وسط لندن في مايو 2019 ونشر في "الشرق الأوسط". (بالإمكان قراءة الحوار كامل هنا)
إحراج واشنطن؟
لم يكمل تراجع الولايات المتحدة عن تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية ثلاثة أسابيع حتى خرجت الإدارة الأميركية بإضافة اثنين من قيادات الحوثيين في قوائم العقوبات. تفسر هذه الخطوة ردة فعل سريع لاستعجال واشنطن في التراجع عن تصنيف الجماعة ككل إرهابية.
يعتقد بعض الراسخين في قراءة المشهد اليمني أن واشنطن شعرت بأن الضغط الذي مارسته المنظمات غير الحكومية إبان تصنيف إدارة ترمب الحوثيين إرهابيين كان كبيرا ومبالغ فيه، ودفع الإدارة إلى البدء بهذه العملية من باب حسن النوايا، وهو ما قرأه الحوثيين بشكل خاطئ، أو في أفضل حال: "ما خططت طهران بأن يظهر وأنه فهم حوثي خاطئ" لسياسة واشنطن الجديدة في اليمن. وفي كلتا الحالتين فإن النتيجة واحدة، إحراج لواشنطن ومئات القتلى المغرر بهم من قبل الحوثيين، إحراج لواشنطن أمام حلفائها، فقد كررت ما لا يقل عن 7 مرات خلال أسبوعين أنها تدعم السعودية في الدفاع عن نفسها.
مايجدر ترقبه
نشرت "رويترز" في الثالث من مارس 2021 تقريرا يفيد بأن محادثات أميركية ـ حوثية جرت في مسقط بين ليندركينغ وعبد السلام فليتة (الشهير باسم محمد عبد السلام) وهو المتحدث باسم الجماعة المدعومة من إيران. ويجدر التوقف عند هذه المحادثات التي تتسم بالغرابة فعبد السلام قبل الحديث مع الأميركيين أو بعده، يصرخ في القنوات الحوثية "الموت لأميركا" وثم يعود للجلوس مع مسؤول أميركي. هذا التناقض ليس المشكلة الوحيدة ولا الكبيرة عند اليمنيين، لأن الأهم بالفعل إلى أين يريد الأميركيون أن يصلوا من خلال هذه المحادثات.

نظريا، ما تفعله واشنطن هو الطريق المثالي لحل الأزمة، فمن دون المحادثات التي تمهد إلى مفاوضات أوسع لن يتحقق أي تقدم دبلوماسي. وهو إكمال لما بدأته السعودية ومازالت تحققه، وضربت نموذجا جيدا خلال رعايتها اتفاق الرياض.
واقعيا، الحوثيون نقضوا ما لا يقل عن 70 تعهدا مع مختلف الأطراف، ولا يعتقد المراقبون أن لا ينقضوا التعهد رقم 71.
ولأن تركيبة الجماعة السياسية وفهمها لهذا النوع من الحلول بأنه ضعف يقلل من فرص تحقيق أي تقدم، فإن الطريق الدبلوماسية لن تكون بالنسبة للجماعة سوى المزيد من الوقت الذي تستطيع طهران المناورة لتحقيق مكاسب تفاوضية، واللعب بالحوثيين ومصير اليمنيين بمناطق سيطرتهم كملف مؤثر لإجبار واشنطن على مزيد من التنازلات.
سيبقى اليمن معلقا حتى يستطيع واحد من الطرفين على الأقل أن يستمع إلى الآخر، وتنتهي مرحلة حديث الطرشان إلى مرحلة تفيد اليمن واليمنيين بشكل فعلي يحمل سلاما مستداما، وهذا لن يحصل بقرار من حسن إيرلو السفير الإيراني "المزعوم" أو عبد الرضا شهلائي القيادي الإيراني الذي يتجول في صنعاء، وكلاهما يقودان الحوثيين لتحقيق مصلحة الحرس الثوري الذي تتقاطع مصالحه مع الاستقرار اليمني.
Comments